دراما تركية اقتصادية

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي
مقالات
تركيا
الليرة التركية
06 فبراير 2024
Cover

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي

في ظلال أروقة الحكم الاقتصادي في تركيا، تكشفت دراما بأبعاد مسلسلٍ تركي خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية ، راسمة ظلالاً قاتمة على مستقبل البلاد المالي. 

في قلب هذه الدراما وقفت حفيظة غاية إركان، أول امرأة تتولى قيادة البنك المركزي للجمهورية التركية، في مسعى لإبعاد البلاد عن شفا الانهيار الاقتصادي وفجأة، انقطعت فترة ولايتها بشكل مفاجئ، قبل أن تكمل حتى عامها الأول في تنفيذ إصلاحاتها الطموحة لسياسة تركيا النقدية. 

كانت ليلة استقالتها مشحونة بالتوتر والشائعات التي حملت إيحاءات شتاء انقرة القارص، واوحت بوجود مؤامرات وصراعات داخلية قد تكون  سبب مغادرتها غير المتوقعة.

كانت الخروج المفاجئ لإركان من البنك المركزي لغزًا بقدر ما كان دراميًا. كانت هناك تقارير قد تم تداولها، غير مؤكدة ولكنها مستمرة، تزعم أنها قد شاركت والدها بصفة غير رسمية ادارة البنك، وهو ادعاء أضاف لمسة شخصية إلى الملحمة المهنية.

هذه الشائعات، إلى جانب احتكاكات بين إركان ومجموعة من كبار الموظفين، رسمت صورة لبنك مركزي في خضم مأساة مسلسل درامي تتقاطع فيه الولاءات الشخصية والصراعات مع آليات واهداف السياسة الاقتصادية.

قبل تعيينها، كانت تركيا تبحر عبر مياه مضطربة للسياسات الاقتصادية غير التقليدية التي زادت من التضخم وقللت من قيمة الليرة إلى مستويات قياسية منخفضة، مما ألقى بظلال سوداء على استقرار الاقتصاد الوطني. كان نهج إركان كقبطان نفذ انحرافًا حادًا بالسفينة عن ذاك المسار. 

شرعت حفيظة إركان في مبادرة جريئة، رفعت فيها أسعار الفائدة من 8.5٪ إلى نسبة مذهلة 45٪، في تحدٍ مباشر للأرثوذكسية الاقتصادية السائدة وتفضيلات الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي اشتهر بانتقاده أسعار الفائدة المرتفعة باعتبارها "أم وأب كل شر" كما كان يصفها.

كان هذا التحدي هو الابحار بالسفينة إلى منارة ميناء الحكمة الاقتصادية التقليدية، وان كان يسبّب صدمة ضرورية للنظام، بهدف استقرار الاقتصاد التركي.

ومع ذلك، فإن الامل نفسه الذي عرّف فترة ولايتها زرع أيضًا بذور سقوطها. 

يظل السؤال قائمًا: هل كانت استقالة إركان نتيجة لمؤامرات داخل أروقة السلطة في تركيا، هل كانت ضحية للعلاقة المضطربة بين السياسة الاقتصادية والإرادة السياسية؟

في أعقاب استقالتها، عُيّن فاتح كرهان، أحد نوابها، كمحافظ جديد للبنك المركزي، مبشراً ببقاء نوع من الاستقرار. كرهان، بخلفيته الغنية في حكمة الاقتصاد الكلي التقليدي وخبرة عقد من الزمان في الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك . استقبل كرهان بموافقات من المجتمع الاقتصادي، وزفير من الراحة الجماعية بأن البنك المركزي ربما سيستمر في مسار الإشراف الاقتصادي التقليدي.

ولكن تحت السطح، استمر اللغز حول سبب خروج حفيظة إركان المفاجئ والاتجاه المستقبلي للسياسة النقدية في تركيا. مع الميل المعروف للرئيس أردوغان لأسعار فائدة منخفضة رغم التضخم المرتفع، ظل استقلال البنك المركزي بشكل علامة استفهام، قد تخضع سياساته للتغيير بناءً على أهواء القوى السياسية. 

تركت دراما نهاية الأسبوع بصمة لا تمحى على سردية الحكم الاقتصادي في تركيا، قصة عن الطموح والمؤامرة والرقص المتراوح بين القوة والسياسة.

 ما الذي أدى إلى استقالة إركان المفاجئة؟ هل كانت انقلابًا داخل الصفوف، ثأرًا شخصيًا، أو ببساطة الصدام الحتمي بين الطرق القديمة والتوجيهات الجديدة؟ 

تظل الإجابات مغلفة في الغموض، تاركة المراقبين والمحللين على حد سواء للتساؤل عن القوى الحقيقية التي توجه سفينة البنك المركزي عبر المياه المتلاطمة للاقتصاد التركي.

&nbs