السوق لا تخطئ أبدًا

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي
مقالات
07 مايو 2024
Cover

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي

في عالم الاقتصاد، حيث الثوابت قليلة والمتغيرات كثيرة، من الصعب فعلاً الإحاطة بكافة العوامل التي تؤثر على قراءة المستقبل الاقتصادي او التنبؤ به. ولكن الأسواق تبرز دائما كمصدر قوي للتنبؤ والتقدير، لانها تعكس توقعاتها التي ليست مجرّد مجموعة بيانات واسعة، ولكنها تقييم جماعي لآلاف او ملايين من المشاركين في السوق. 

عنوان المقال "السوق لا تخطئ أبدًا"، قد يبدو جريئاً بعض الشيء أو مبالغاً به، ولكن الأحداث الأخيرة تعطيه مصداقية، خاصةً في ظل الاختلافات التي حصلت بين توقعات الاحتياطي الفيدرالي المعتمدة على البيانات والواقع الاقتصادي الذي رصدته الأسواق.

السوق تقول بوضوح ان التضخم مستمر، وهو الذي كان يُنظر إليه كظاهرة عابرة، أثبت مرة أخرى أنه أكثر تجذرًا مما يعتقد العديد من الخبراء. على الرغم من الجهود المبذولة للحفاظ على استقرار الأسعار، أظهرت أحدث البيانات ارتفاع التضخم بنسبة 3.5% في مارس، وُكشِفَ عن زيادة قدرها 3.8% في مؤشر اسعار المستهلك CPI الأساسي، مما يشير إلى ضغوط تضخمية مستمرة تتجاوز تقلبات اسعار الغذاء والوقود.

هذه الأرقام لم تسفر فقط عن إعادة تقييم التوقعات بخصوص خفض أسعار الفائدة، ولكنها أيضًا عززت الفكرة بأن الأسواق قد تمتلك فهمًا أعمق للوضع الاقتصادي مقارنة بالتقديرات الرسمية. في الواقع، الاحتياطي الفيدرالي الذي بدا في السابق مستعدًا لتخفيض أسعار الفائدة، يجد الآن نفسه في موقف حذر جداً بسبب التوقعات الدقيقة والمتجددة التي تقدمها الأسواق. 

توقعات السوق، التي تشير الآن إلى تأجيل محتمل لخفض الفائدة حتى سبتمبر أو حتى يوليو حسب درجة التفاؤل عند المحللين ، لا تعكس فقط استجابة للبيانات الجديدة، بل وأيضًا قدرة على تقدير تأثيراتها الاقتصادية بشكل أفضل.

لاحظ كيف تكيفت توقعات السوق بسرعة مع الواقع الاقتصادي الجديد؟ وكيف سيتغير النقاش مع البيانات الجديدة للتوقعات بالخفض من ستة إلى سبعة تخفيضات متوقعة في الفائدة في بداية العام، إلى توقع واحد فقط أو ربما اثنين لبقية العام. هذا التعديل السريع في التوقعات يعكس الحساسية العالية والقدرة على التكيف التي تتميز بها الأسواق، والتي في كثير من الأحيان تجعلها تبدو كأنها  متقدمة على البيانات التي تعتمد عليها السياسات النقدية.

يمكن القول إن الأسواق تنبأت بصعوبات الاقتصاد الحالية قبل أن يعترف بها الاحتياطي الفيدرالي رسميًا. 

الديناميكية بين النمو الاقتصادي القوي والتضخم المستمر تشكل تحديًا غير مسبوق للسياسة النقدية، التي تحاول الموازنة بين دعم النمو والسيطرة على التضخم في نفس الوقت .

إن التحدي الذي يواجه الاحتياطي الفيدرالي هو تحدي توقيت. 

الانتخابات الرئاسية على الأبواب والتحديات الاقتصادية مازالت قائمه، مما يجعل الضغط أكبر على الفيدرالي ليكون أكثر استجابة للتغيرات السريعة في البيانات الاقتصادية. 

في نهاية المطاف، تبقى الأسواق بمثابة بوصلة، توجه وتعطي دروسًا قيّمة حول ديناميكيات الاقتصاد العالمي.