معركة عدالة: قصة فضيحة مكتب البريد البريطاني

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي
مقالات
بريطانيا
16 يناير 2024
Cover

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي

 

أثار مسلسل تلفزيوني جديد في بريطانيا الغضب العام حول فضيحة وصفت بأنها 'أكبر حالة ظلم في التاريخ البريطاني'، والتي دمرت حياة مئات من عمال البريد.

حدث خطأ في برنامج كمبيوتر يستخدمه مكتب البريد الحكومي مما أدى إلى سجن حوالي 230 موظفًا بتهم كاذبة تتعلق بالسرقة والاحتيال.

بين عامي 1999 و2015، تعرض 736 من مدراء الفروع البريدية ، لمحاكمات وإدانات بناء على اتهامات بتجاوزات مالية بناءً على بيانات غير دقيقة اصدرها برنامج هورايزون، وهو برنامج كمبيوتر أنتجته شركة فوجيتسو اليابانية.

اضطر المتهمين لسداد خسائرغير موجودة في الأصل راكمها ذلك البرنامج الفاشل من جيوبهم الخاصة ، مما أدى بالكثير منهم إلى الإفلاس، والمرض، وفي أربع حالات إلى الانتحار ، وتوفى منهم كثيرون بدون احقاق للعدالة لهم. كما واجهوا الإساءة في مجتمعاتهم وتعرض أطفالهم للتنمر نتيجة للاتهامات الخاطئة والدعاية السلبية في ذلك الوقت.

بعد معركة قانونية استمرت 20 عامًا قادها تحالف للعدالة لموظفي الفروع البريدية، حكمت المحكمة العليا بأن برنامج هورايزون كان مسؤولًا عن الخسائر، وأمرت الحكومة بإجراء تحقيق عام.

تم تصنيع برنامج هورايزون من قبل فوجيتسو في عام 1999 وتم توزيعه في فروع مكاتب البريد لإدارة المعاملات المالية.ظهرت شكاوى من أنه كان يبلغ بشكل خاطئ عن نقص في النقود ولكن تم تجاهل هذه التحذيرات من مكتب البريد من قبل الإدارة العليا، التي اتهمت مدراء الفروع بالتجاوزات المالية وقررت توجيه الاتهامات ضدهم. في العديد من الحالات، بلغت هذه الخسائر الوهمية عشرات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية.

حتى الآن، تم نقض 93 حكمًا فقط، حيث لا يزال يتم تقييم بقية الحالات، بينما لم يتلق مئات الموظفين الذين فقدوا منازلهم وسبل عيشهم أو أُفلسوا أي تعويض لمعاناتهم لا بل ولا حتى عن خسائر أموالهم الخاصة.

قالت لجنة مراجعة القضايا الجنائية، التي تحقق في القضايا الجنائية الخاصة بهؤلاء الموظفين الذين أُدينوا أو حُكم عليهم ظلمًا وخسروا استئنافهم، إن فضيحة هورايزون في إدارة البريد هي "أسوء حالات الظلم " التي شهدتها على الإطلاق.

وصف رئيس الوزراء ريشي سوناك ذلك بأنه "واحدة من أكبر حالات الظلم في تاريخ أمتنا". 

باولا فينيلز، والتي كانت تشغل منصب الرئيس التنفيذي لادارة البريد آنذاك، وكانت قد  تلقت جائزة رفيعة من الدولة لخدماتها الجليلة. في ضوء الغضب العام ، اضطرت إلى إرجاع الجائزة واعتذرت عن الألم الذي تسببت به اثناء إدارتها للبريد الملكي البريطاني.

في الأيام الأخيرة، شارك العديد من الضحايا قصصهم عبر وسائل الإعلام الرئيسية في البلاد، كان منهم توم هيدجز، الذي كان يدير احد فرع البريد بالقرب من سكيجنيس في إنكلترا قبل فصله من عمله في عام 2009 وإدانته ، للـ بي.بي.سي  ان الاتهامات "دمرت حياته وحياة عائلته وحياة كل من يعرفهم. كانت أفظع شيء مررت به على الإطلاق، كنت محظوظا ولم أفلس تماما مثل غيري". قد تم نقض إدانته أخيرًا في عام 2021.

بدأت اخيراً جلسات الكشف عن مراحل التحقيق العام، والتي من المتوقع أن تمتد حتى منتصف هذا العام. بينما تتحدث الحكومة عن تعويضات عن الضرر يقول الضحايا انهم لم يسترجعوا حتى أموالهم التي صودرت منهم. 

تستكشف الدراما التلفزيونية "السيد بيتس ضد مكتب البريد" بعمق كيف يمكن للأتمتة أن تؤدي إلى ظلم جسيم، ولماذا من المهم تسليط الضوء على هذه القضايا. كيف ان القضاء وثق تماما بالكومبيوتر وبالتكنولوجيا و لم يبحث عن إثبات ان البرمجة قد تكون خاطئة.

تكمن أهمية هذه الدراما في ابراز السرد المثير حول العبء العاطفي والاجتماعي والإنساني للفشل التكنولوجي والنظامي. 

تلتقط القصة مشاعر الاستياء العامة تجاه الأنظمة والتكنولوجيات والقيادات الإدارية التي تخذل و تظلم الناس العاديين.

استجابة الجمهور والسياسيين لهذه الدراما تشير إلى تنامي الوعي والإلحاح في معالجة مثل هذه الظلم. تدخل السياسيين رفيعي المستوى مثل رئيس الوزراء ريشي سوناك، الذي يدفع نحو تعويض سريع وتبرئة للضحايا، يشير إلى تحول نحو مساءلة الأنظمة وضمان العدالة.

علاوة على ذلك، تقترح المحادثة عواقب طويلة الأمد لمثل هذه الفضائح. يرى البعض أن إرث هذه الفضيحة قد يكون في زيادة الرقابة على التكنولوجيا ولنا ان نتصور مالذي سيحدث فيما لوان الذكاء الاصطناعي اتهم بعض البشر بالاختلاس والسرقة او خيانة الامانه؟

في الختام، مسلسل "السيد بيتس ضد البريد" ليست مجرد دراما شيقة؛ بل هي نقد من الواقع  على مخاطر الأتمتة والتكنولوجيا الجديدة التي تدير حياة الناس دون رقابة وأهمية الإشراف البشري على الأنظمة التي لها تأثير عميق على حياة الناس.