التقاعد ليس حتمياً على الإطلاق

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي
مقالات
التقاعد
28 يناير 2024
Cover

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي

 

 
“عندما يتحدى العمل حدود السن، قصص نجاح رجال و نساء واصلوا الإبداع بعد سن التقاعد”

لطالما ارتبط التقاعد بفكرة الراحة والاسترخاء بعد سنوات طويلة من العمل. ومع ذلك، فقد تغير هذا المفهوم في السنوات الأخيرة، حيث أصبح الكثير والمزيد من الناس ينظرون إلى التقاعد على أنه مرحلة جديدة من الحياة مليئة بالفرص والإمكانات.

وارين بافيت وصديقه وشريكه تشارلي مونغر يبرزان للاذهان فكرة أن التقاعد ليس بالضرورة خطوة حتمية وليس شيئاً مرغوباً للجميع. 

استمر كل من بافيت ومونغر في العمل حتى خلال سنواتهما المتأخرة ، حيث يعتبر بافيت أحد أنجح المستثمرين على الإطلاق هو و مونغر نائب رئيس شركة بيركشاير هاثاواي. استمرارهما في العمل بعد سن التقاعد التقليدي يسلط الضوء على عدة نقاط مهمة تتعلق بفوائد الاستمرار في العمل.

يرفض جورجيو أرماني كذلك التخلي عن منصبه كرئيس تنفيذي لدار الأزياء الخاصة به وهو الان في عمر يناهز 89 عاما، وعلى الرغم من كونه ثاني أغنى رجل في إيطاليا، لا يرغب في التقاعد ليرتاح أو يتمتع بثروته ، ولم تضعف أخلاقيات عمله وعطائه. 

 تشارلي مونغر، صديق وارن بافيت في بيركشاير هاثاواي، استمر في العمل بشركة الاستثمار حتى وفاته في أواخر العام الماضي عن عمر يناهز 99 عاما. وارن بافيت نفسه يسير بقوة وهو في الثالثة والتسعين من عمره.

 

على الصعيد الاماراتي

هناك خلف الحبتور وماجد الفطيم رحمه الله اللذان يُعتبران أمثلة ممتازة لرجال الأعمال في السوق الخليجي والعربي الذين واصلوا العمل بعد بلوغهم سن التقاعد.

خلف الحبتور هو مؤسس مجموعة الحبتور، وهي واحدة من أكبر وأنجح المجموعات التجارية في الإمارات العربية المتحدة. على الرغم من بلوغه سن التقاعد، يُعرف الحبتور بأنه لا يزال نشطًا للغاية في إدارة الأعمال واتخاذ القرارات الاستراتيجية للمجموعة.

ماجد الفطيم- رحمه الله- كان رجل أعمال إماراتي بارز ومؤسس مجموعة ماجد الفطيم، وهي مجموعة تجارية كبرى تعمل في مجالات متعددة مثل العقارات والتجزئة والترفيه. ماجد الفطيم أيضًا استمر مشاركاً بنشاط في إدارة وتوجيه الأعمال التجارية للمجموعة حتى وفاته قبل سنتين عن عمر ناهز السابعة والثمانين.

 

قائدات مؤثرات

ليس الرجال فقط بل هناك نساء يعتبرن قائدات مؤثرات ومساهمات في المجتمع حتى بعد سن التقاعد.

من الأمثلة على ذلك المصممة إيريس ابفيل في عقدها التاسع وروث بادر جينسبورغ القاضية بالمحكمة الأمريكية العليا بسن 87، وروزالين يالو التي حققت إنجازات طبية في سن 89، والملكة إليزابيث الثانية التي أظهرت تفانيًا في عملها مدى الحياة، مما يلهم بأن الشغف ورفض التقيد بالعمر يمكن أن يقود إلى إنجازات كبيرة في أي مرحلة.

هؤلاء الناس من أمثال السادة أرماني أو بافيت أو مونغر او خلف الحبتور وماجد الفطيم، والملكة إليزابيث و كريستين لا غارد وغيرهم هم أشخاص استثنائيون لكنهم  ليسوا الوحيدين في هذا العالم .

هذه الأمثلة تُظهر أن العمر لا يقلل بالضرورة من قدرة الفرد على الإسهام بشكل إحترافي او معنوي في مجاله.

الاستمرار في العمل يُعزز فكرة أن الرضاء الشخصي والشعور بالغرض يمكن اشتقاقهما من الحياة المهنية. بالنسبة لأشخاص الذين اوردتهم هنا كأمثلة ، العمل ليس مجرد وسيلة لتحقيق هدفهم وإنما جزء لا يتجزأ من هويتهم وكيفية تفاعلهم مع العالم.

إن مسيرة هؤلاء الأشخاص في البقاء داخل الحياة المهنية بنشاط يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الصحة العقلية والرفاهية العامة للمجتمع والبشر. 

إن البقاء منخرطًا في العمل يوفر تحفيزًا فكريًا وتفاعلًا اجتماعيًا وشعورًا بالإنجاز، وكلها عوامل مهمة للحفاظ على صحة وسعادة الانسان.

 

مهارات جديدة

اقتصادياً، التقاعد قد لا يكون مفيداً خاصة مع انخفاض راتب الضمان الاجتماعي عن راتب العمل وتآكله بالتدريج بسبب التضخم.

حتى لو كان بإمكانك التقاعد، قد لا يكون ذلك الخيار الأفضل. في الستينيات من العمر، يمكن أن يؤدي التقاعد إلى افتقاد عالم العمل من اجتماعات ومهام ومسؤوليات قد تشعر بالضياع لفترة ، لكن ذاك هو الماضي وهناك فرص لتعلم مهارات جديدة لم يعطك العمل فرصة لها انه وقتك لإيجاد معنى جديد للحياة.

على الرغم من أن العمل يشجع على التحفيز الفكري ويميل إلى إبعاد الاكتئاب والضعف الإدراكي، ولكن العديد يتقاعدون في الوقت المتعارف عليه لإفساح المجال لجيل الشباب، معترفين بأنه سيكون من غير الواقعي الحفاظ على مناصبهم  للابد في هذا المجال. ومع ذلك، فإن التنحي لا يعني تركك مركز الصدارة - التسلية ستمنحك كل الوقت في العالم ولكنها تميل إلى تهميشك وابعادك عن غرضك الحياتي.

مع التقدم وتحسين الخدمات الصحية، أصبحت سنوات ما بعد التقاعد أطول. ومع ذلك، لا يعني ذلك أن تكون مملة أو بلا هدف. يمكنك الاستمرار في العمل أو التطوع أو تعلم مهارات جديدة أو قضاء الوقت مع الأحباء.

التقاعد ليس نهاية المطاف، فهناك العديد من الفوائد المحتملة للاستمرار في العمل بعد سن التقاعد، ويمكن أن يساعد ذلك في الحفاظ على الصحة العقلية والسعادة والرفاهية العامة.

إذا كنت تفكر في التقاعد، فمن المهم أن تفكر في ما تريد تحقيقه من هذه المرحلة الجديدة من حياتك. إذا كنت ترغب في الاستمرار في العمل، فهناك العديد من الخيارات المتاحة لك. يمكنك العمل بدوام كامل أو جزئي، أو يمكنك العمل في مجال مختلف عن مجال عملك السابق. يمكنك أيضًا العمل في منظمات غير ربحية أو تطوعية.

لا توجد إجابة صحيحة أو خاطئة عندما يتعلق الأمر بالتقاعد. ما هو مهم هو أن تختار ما يناسبك ويحقق أهدافك.

&nb