الاقتصاد الروسي في مفترق طرق

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي
مقالات
15 نوفمبر 2023
Cover

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي

يمر الاقتصاد الروسي بتحول كبير، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تقلص في القوى العاملة، نتيجة لتورط البلاد في الصراع مع اوكرانيا. وهذا التغيير متعدد الأوجه، ويؤثر بعمق على مختلف القطاعات وعلى المشهد الاقتصادي العام للبلاد.

أحد الجوانب الحاسمة لهذا التحول يتمثل في خلق سوق عمل ضيقة، وهو اتجاه شائع في العديد من الاقتصادات الصناعية، مدفوعا بالتغيرات الديموغرافية مثل شيخوخة السكان. ولكن الوضع في روسيا يتفاقم أكثر من ذلك بسبب تعبئة العديد من الشباب للقيام بمهام على الخطوط العسكرية الأمامية. هؤلاء الأفراد، عادة في ذروة سنواتهم الإنتاجية، لم يعودوا يساهمون في القوى العاملة المدنية. علاوة على ذلك، حدث نزوح جماعي كبير من الناس، وخاصة العمال ذوي المهارات العالية، من روسيا، بالتوازي مع عدد الرجال الذين تم حشدهم للحرب.

يتوسع قطاع الدفاع في روسيا بشكل كبير بسبب المجهود الحربي الطويل، مما يجذب العمال والموارد من الصناعات المدنية. وقد أدى هذا التحول إلى زيادة ملحوظة في الأجور داخل قطاع الدفاع، حيث تعطي الحكومة الأولوية للإنتاج العسكري، بما في ذلك المدفعية والمعدات اللازمة لخط المواجهة. ويتجلى هذا الاتجاه بشكل صارخ في صناعات مثل المعادن والتعدين، التي تتطلب عمالة كثيفة وتواجه الآن نقصا حادا في القوى العاملة.

وهناك قضية أخرى بالغة الأهمية وهي هجرة الأدمغة الناجمة عن التجنيد الإجباري، والتي تؤثر بشكل خاص على الصناعات التي تعتمد على العمالة الماهرة، مثل تكنولوجيا المعلومات. تفيد التقارير أن روسيا تواجه نقصاً يتراوح بين 500 ألف إلى 700 ألف عامل في مجال تكنولوجيا المعلومات، مع صعوبة شغل المناصب العليا بشكل خاص. ولا يعيق هذا الوضع القدرة التشغيلية الحالية لهذه القطاعات فحسب، بل يطرح أيضًا تحديات إنمائية طويلة المدى.

ويعرب عدد من الاقتصاديون الروس عن قلقهم بشأن استدامة الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحربي. وفي حين أن الحكومة قد تتوقع توقعات اقتصادية إيجابية، فإن الواقع الأساسي هو ظهور قضايا هيكلية.

إن الاقتصاد المعزز بالاستثمار الحكومي في الصناعات في زمن الحرب يفتقر إلى الاستدامة والإمكانات التنموية في مرحلة ما بعد الصراع. ومع اقتراب روسيا من انتخاباتها الرئاسية، فمن المرجح أن تصبح هذه التحديات الاقتصادية وتداعياتها أكثر وضوحا وأكثر أهمية في التصدي لها.

&nb