همسة فرنسية تنقذ زعيم الثورة السورية من الإعدام

وثائقي خاص من ميدار.نت - دبي
وثائقيات
18 يناير 2024
Cover

وثائقي خاص من ميدار.نت - دبي

المكان: دار العدل في مدينة حلب السورية.. الزمان: خريف عام 1921، بعد سنة من انطلاق ثورة الشمال السوري ضد الاحتلال الفرنسي.

الحدث: قائد الثورة إبراهيم هنانو بات في قبضة الفرنسيين، يواجه اتهامات تودي به إلى الإعدام أمام محكمة عسكرية هي الخصم والحكم.

سيل من المحامين تهافت متطوعاً للدفاع عن الزعيم الوطني، وعليه الاختيار بينهم.. خيار إما يكلفه حياته، أو يعبر به إلى البراءة والحرية.

 

قشة شائكة

هنانو المعروف بذكائه والموشك على الغرق هذه المرة تمسّك بقشة أخيرة شائكة للغاية، إذ استنجد بجلاده، النائب العام الفرنسي، مستحلفاً إياه بشرفه العسكري أن يجيب عن هذا السؤال: أي محامٍ ستختاره للدفاع عنك لو كنت مكاني؟ سؤال مباغت من متهم إلى خصمه، رفض النائب الرد عليه، ثم ما لبث تحت الإلحاح أن همس في أذن هنانو باسم المحامي فتح الله صقال.. إجابة لمعت لها عينا الزعيم الثائر، فطلب المحامي الشاب وكيلاً له.

يروي صقال في مذكراته أنه دُهش لهذا التوكيل، إذ لم يكن ممن تقدموا للدفاع عن هنانو.. فذهب لمقابلة موكله الذي روى له لماذا طلبه بالاسم دوناً عن غيره.

دهش المحامي، وصعد إلى مكتب النائب العام الفرنسي شاكراً ثقته، وقال له: أتمنى ألا تمثل فعلاً أمام القضاء العسكري، كيلا أضطر للدفاع عنك.

شهور تلت ذلك اليوم، جاهد خلالها صقال في تفنيد اتهامات الفرنسيين لهنانو، وأولها اعتباره زعيمَ عصابة ارتكبت تجاوزات بحق الأهالي والجيش الفرنسي. تُهَم تجاهلت مشروعية نضال شعب ضد محتليه، وألبسته لبوس قطاع الطرق.

محاججات صقال استندت إلى اعتبار هنانو ثائراً يطالب بحرية بلده.. وحق أقرته التشريعات العالمية، وأبرزها القانون الفرنسي، فضلاً عن اعتراف سلطات الاحتلال بهنانو كطرف محارب، إذ عقدت معه هدنتين واتفاقاً لتبادل الأسرى، ما ينفي كونه مجرماً جنائياً، ويكرسه زعيماً لكفاح مشروع.

 

ملاسنات شديدة

أربعة أيام من المرافعات، لم تخل من ملاسنات شديدة اللهجة بين صقال والنائب العام الذي اختاره خصماً له في المحكمة. النائب قال جملة ترددت أصداؤها في حلب: لو كان لهنانو سبعة رؤوس لقطعتها جميعاً. مشهد عاصف تخلله نهوض هنانو للدفاع عن نفسه بذكاء وثقافة وجرأة.

كما قال هنانو في نهاية المرافعات مخاطباً المحكمة الفرنسية: "أثق بعدالتكم رغم الخصومة بين بلدينا.. وإذا كانت فرنسا تتغنى بالحرية والعدالة كما قال وكيلي العزيز فإن سورية تنشر الحرية نفسها والعدالة نفسها".

رهبة وخشوع سادا القاعة بانتظار تصويت المحلفين العسكريين الخمسة.. فجاء إعلان البراءة مدوياً ومفاجئاً بأغلبية 3 أصوات مقابل اثنين.. الأكثرية التي ناصرت هنانو مثّلت الكابتن (لوكيير) ومعه ملازمان من الجيش الفرنسي.

موقف الثلاثة أغضب السلطات، فاستدعتهم إلى فرنسا دون تأخير.

نزاهة القضاء أثّرت في المحامي وموكله، فأرادا زيارة رئيس المحكمة لشكره، لكنه اعتذر برسالة مفادها أنه كان يؤدي واجبه، ولا يستطيع تبرير قبول الشكر من خصم مثل هنانو.

ومع صخب عشرات آلاف المبتهجين الذين تزاحموا لحمل هنانو ومحاميه في الشوارع.. كانت تتردد في روح الرجلين همسة باح بها خصم لعدوه اللدود، فكانت وصفة أنقذته من الموت.