وثائقي لـ"ميدار.نت".. مجنون مي.. أول شهيد للحب العذري في الخليج

عبدالله المدني - (خاص ميدار.نت)
وثائقيات
الخليج العربي
06 مارس 2023
Cover

عبدالله المدني - (خاص لـ "وثائقيات ميدار.نت")

ولد مجنون مي في بلدة الفويرط على الساحل الشمالي الشرقي لقطر في حدود سنة 1907.

جده هو تاجر اللؤلؤ المعروف ووكيل حاكم قطر، وأغنى أغنياء زمانه الشيخ محمد بن عبدالوهاب الفيحاني السبيعي، صاحب القصر الكبير القريب من قلعة دارين التاريخية بالسعودية.

والده هو جاسم أكبر أنجال الشيخ محمد بن عبدالوهاب الفيحاني، ووالدته سيدة من آل طوار من البوكوارة.

تربي في كنف خالته بعد وفاة أمه، ثم ربته إحدى قريباته بعد وفاة خالته، فنشأ رقيق المشاعر منطوياً على نفسه.

انتقل مع والده من قطر إلى دارين حيث التحق بأحد الكتاتيب، وتعلم القرآن ومباديء القراءة والكتابة.

أرسله والده للدراسة في المدرسة المباركية بالكويت، حيث انجذب إلى الأدب والشعر، وأطلع على قصائد كبار شعراء العرب القدامى وأساليبهم البلاغية.

لم يكمل دراسته بالكويت بسبب وفاة والده، وعاد إلى مسقط رأسه في قطر للالتحاق بأخيه رجل الدين ناصر بن جاسم الفيحاني.

 

شاعر الحب

في قطر، اشتغل بمهنة والده وجده وهي الغوص بحثاً عن اللؤلؤ، وبرز كواحد من أمهر الغاصة وكان أثناء عمله ينظم أبيات الشعر ويطلب من زملائه حفظها، وتمكن لاحقاً من امتلاك سفينته الخاصة وتحول إلى نوخذه.

وتناولت قصائده موضوعات مختلفة، لكن أكثر ما اشتهر به هو قصائد الحب العذري العفيف من وحي هيامه بابنة خاله الجميلة التي رمز لها باسم مي.

أراد أن يكمل قصة حبه وعشقه بالزواج من مي، لكن الفتاة كانت محجوزة لابن عمها الأقرب لها من ابن خالها وفق العادات القديمة.

قام بتوسيط الشيوخ والأقارب كي يتزوج من مي لكنه فشل في مراده.

أدمت الواقعة قلبه فلم يجد سوى اعتزال الناس، والبقاء وفياً لذكرى مي، والتعبير عن معاناته وانكساره بالشعر والقصائد الملتهبة، فسماه معاصروه بـ "مجنون مي".

أحد أشهر قصائده في مي هي القصيدة التي تبدأ بـ "شبعنا من عناهم وإرتوينا"، وهي مكونة من 42 بيتاً لم يغن منها المطرب البحريني الشعبي عبدالله سالم بوشيخة سوى 14 بيتاً.

من قصائده الأخرى التي نظمها في عشق "مي" فاشتهرت وغناها أيضا عبدالله سالم بوشيخة قصيدة "قصت حبالك".

 

أوجاع العشق واللوعة

بسبب أوجاع العشق واللوعة والانعزال والامتناع عن الطعام مرض وشحب لونه وأصابه الهزال والأرق.

نصحه اصدقاء له بالسفر للبحرين والعلاج في مستشفى الإرسالية الأمريكية، لعدم وجود مستشفيات في قطر في هذا الوقت.

تعالج في البحرين لبعض الوقت وعاد الى قطر وسط تكتم شديد لكن حالته ساءت.

استعلم أخوه فهد المقيم بالبحرين بالأمر فنقله بحراً للمنامة، وأدخله مجدداً للمستشفى للعلاج عند الطبيب المعروف ديم، لكن الطبيب أخبر ذويه أن المرض انتشر في كل جسمه وأنه لا مجال للعلاج.

رحل في 17 يناير 1939 ودفن في مقبرة القضيبية، وكانت آخر كلمة نطقها قبل غيبوبة الرحيل هي "مي".

آخر ما كتبه وهو على فراش الموت كان قصيدة "مذبوح الوديد"، التي أوصى فيها حافر القبر أن يوسع اللحد ويجعل بينه وبين التراب حاجزاً، وأن يضع له شواهد ليعرف بين الناس أنه قبر من قتله الحب العفيف.

صدق من قال: ولولا الهوى ما ذلّ في الأرض عاشق .. ولكن عزيز العاشقين ذليل.