نهاية أمريكا ليست غداً

مقال - ميدار.نت
مال وأعمال
09 نوفمبر 2022
Cover

مقال - ميدار.نت


يشهد العالم ولادة قطب جديد ينافس الولايات المتحدة والهيمنة الغربية، بالطبع هذا القطب هو الصين، التي تتزايد أهميتها شيئاً فشيئاً، لتكون هي المنافس الذي تخشاه واشنطن، وبدأت فعلاً في محاربته ومحاولة حصاره وتحجيمه، ولكن هل حقاً يمكن اطلاق صفة "قطب" بمفهومه السائد على الصين؟

 ما يُميّز الولايات المتحدة، وما جعلها القطب الأوحد، وبسط هيمنتها على العالم لأكثر من ثلاثة عقود، هو أكثر من مجرد اقتصاد ضخم كما يحاول أن يختزلها البعض به، فمثلاً القوة العسكرية للولايات المتحدة تتصدر قائمة الجيوش العسكرية ليس بحجمها، بل أيضاً بتقدمها التكنولوجي والنوعي على منافسيها، والتي يؤمن معظم الخبراء العسكريين أنها لم تكشف كل تقنياتها فيه، كما أن انتشارها حول العالم، سواءً عبر قيادات جيشها المركزية المنتشرة، أو حاملات طائراتها، يمنحها تمركزاً يجعلها تستطيع التدخل في أي مكان على الفور.

وبالإضافة إلى القوة العسكرية تمتلك الولايات المتحدة تفوق تكنولوجي، وتقدم علمي، وإنفاق هائل على الأبحاث، مما جعل "السيلكون فالي" أيقونة الإبتكار، فمعظم أنظمة التشغيل أمريكية، ومعظم التطبيقات كذلك، كما أن الشركات التكنولوجية القيادية الكبرى حول العالم مثل أبل ومايكروسوفت وميتا وغيرها هي أيضاً أمريكية، التفوق في صناعة السيارات الكهربائية لأمريكا، شركة بوينغ لصناعة الطائرات أمريكية، إنترنت ستارلينك الفضائي أمريكي، وكالة ناسا أمريكية، وعدد لا يعد ولا يحصى يملكه العام سام أو يتفوق فيه.
 
أما التفوق الاقتصادي فليس فقط بحجم الناتج المحلي الأمريكي، فمازال الذهب يُتداول بالدولار، والنفط يُسعّر بالدولار، ونصيب الاحتياطيات الدولية بالدولار يتجاوز 60٪؜ من حجم الاحتياطات العالمية، وتملك الدول في السندات الأمريكية بالتريليونات، وهو العملة الصعبة التي تتداول الدول أغلب منتجاتها فيما بينها به.
 
وسياسياً فالولايات المتحدة تملك تحالفات تكاد تكون أبدية، وأحكمت سيطرتها عليها، فأوروبا وكندا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا على الأقل تتبع السياسية الأمريكية، ومن الصعب أن تحيد عنها قيد أنلمة، ناهيك عن توغلها في أنظمة حكم في معظم دول آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وهي التي تدخلت في شؤون 50 دولة على الأقل، سواءً بتغيير نظام أو أشخاص، لتضمن ولاءات أو تقييد تحركات.
 
أما إعلامياً فالولايات المتحدة تملك قدرة على صناعة البروبغندا، ونشر ثقافتها وأفكارها بشكل لا يضاهيه غيرها، فهي تملك أعتى الشبكات الإعلامية، وأضخم شركات الإنتاج، وصناعة ترفيهية لا يمكن منافستها، فهوليوود لوحده هي سلاح ناعم فتاك، رسم صوراً نمطية من الصعب مقاومتها، وجعل الثقافة والأفكار الأمريكية تتصدر أي مشهد.
 
هذا جزء من القطب الأمريكي، الذي يُبشر البعض بقرب اندثاره، والحق أنه بعيد كل البعد عن ذلك، ولا يمكن للصين منافسته في المدى المتوسط على الأقل، وإن نافسته فلن يكون في كل ذلك، ويحتاج العالم لأكثر من تحالف "بريكس" لوضع رأسه برأس أمريكا على كافة المستويات.

 

جهاد العبيد - المحلل السياسي والاقتصادي