وثائقي لـ"ميدار.نت".. سلطان القاسمي عاشق المحروسة

Cover

ميدار.نت - القاهرة

أنا صناعة مصرية مئة بالمئة.. هكذا تحدث صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، عن قصة العشق الممتدة بينه وبين المحروسة.

ولما لا، فهي التي قضى بها أفضل أيام حياته واحتضنته فصارت تجري في أوردته وعروقه وصار مصري الهوى.

في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1956 وقع العدوان الثلاثي على مصر، وهنا لم يكتفِ سلطان بالشجب والإدانة والتظاهرات؛ بل مارس دوره كجندي في محراب الوطن يدافع عن شرف الأمة ومصيرها. حيث قام بأربع عمليات ضد معسكرات القوات الإنجليزية في الشارقة كانت غاية في الشجاعة والإقدام.

 

اللقاء الأول مع مصر

عام 1965 حان وقت اللقاء الأول بين صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، والمحروسة، فوفد إلى مصر طالبا ليلتحق بكلية الزراعة بجامعة القاهرة والتي تخرج فيها عام 1971 ومنذ ذلك التاريخ وصلته لا تنقطع بجامعة القاهرة والأوساط الثقافية في مصر.

أقام سمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي خلال فترة دراسته في مصر في حي الدقي وبالتحديد في العقار الكائن في 7 أ شارع أبي إمامة حيث تتوارث أجيال المصريين في هذه المنطقة سيرته العطرة والتي يسمعونها عبر آبائهم وأجدادهم ممن عاصروا فترة وجود سموه في مصر.

ويتناقلون حكايات عن أخلاق سموه الرفيعة ووفائه الذي لا مثيل له وتواضعه الجم في التعامل مع كافة من عاصروه في المنطقة وفي مصر بأكملها، حيث كان سموه نموذجاً فريداً في الأخلاق والوفاء الذي قوبل بالاحترام والتقدير من كافة المواطنين المصريين.

 

أحسنتم استقبالنا يا إبراهيم

في أعقاب تولي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الحكم في إمارة الشارقة عام 1972 نسج بتواضعه الكبير قصة جديدة من قصص الإيثار والنبل.

وكان بطل هذه القصة الجديدة مواطناً مصرياً ممن كان لهم الدور البارز في توجيه القاسمي نحو مزيد من العشق لمصر وأهلها.

انت هذه القصة حكاية إنسانية تجسد معاني الوفاء والنبل والشهامة التي تميز بها سموه تقديرا لأحد المواطنين المصريين وهو إبراهيم علي حسن. يذكر إبراهيم إنه كان مسؤولاً بصفته وكيل عقار عن تحصيل إيرادات العقار الذي أقام فيه سموه، وتصريف شؤونه نيابة عن الملاك.

وذات يوم وفد إليه شاب إماراتي للبحث عن شقة بالعقار، واكتشفوا أنه كان بمفرده وبلا عائلة، ولذلك رفضوا إقامته لمخالفة ذلك تعليمات ملاك العقار والسكان كذلك، ولكن الشاب الإماراتي أصر، وقال إنه علم من كافة معارفه وأصدقائه أن سكان هذا العقار يتمتعون بسيرة حسنة وسمعة طيبة، لذا رغب في الإقامة بجانبهم، واستئجار شقة في العقار.

وأضاف إبراهيم أنه بعد مفاوضات شاقة رفض الملاك تماما، فتدخل وطلب منهم أن يقيم الشاب الإماراتي في العقار على مسؤوليته بعدما توسم فيه الصدق والإخلاص والالتزام والتدين وسعيه للإقامة في مكان يحظى بسمعة طيبة.

ظل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي يتذكر هذا الأمر الذي يقول عنه أنه أحد أهم سمات الشخصية المصرية وهو الكرم والإيثار والترابط.

وعندما تولى سموه حكم الشارقة أرسل وفدا خاص يصطحب إبراهيم علي حسن إلى الإمارة وعندما رأى إبراهيم الأجواء والمكانة التي صار بها سموه شعر بالحرج صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي اقترب منه وهمس في أذنه قائلا: أحسنتم استقبالنا أفلا نحسن نحن استقبالكم؟ في دليل جديد على تواضع سموه الجم.

 

حريق المجمع العلمي المصري

في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 كان سمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي يتابع أخبار مصر ببالغ الاهتمام وكان قلقا على مستقبلها ودائما كان يحذر المصريين عامة والشباب المصري خاصة من الانزلاق إلى الهاوية أو أن تسيطر قوى الشر وخفافيش الظلام على مقاليد الأمور والحكم في هذا البلد العريق الذي علم الدنيا بأسرها.

في ديسمبر 2011 استيقظت مصر على كابوس مروع وهو الحريق الغادر الذي نشب في المجمع العلمي المصري أحد أقدم المؤسسات التاريخية والثقافية المصرية.

وهنا تحرك سموه تحرك المواطن المحب العاشق لوطنه وتحدث مع المسؤولين في مصر عن أنه على استعداد تام وكامل لترميم مبنى المجمع العلمي المصري الذي أصابه الضرر البالغ نتيجة للحريق المروع.

وتخطى الأمر الترميم حيث قام سموه بإهداء مصر 4000 كتاب نادر ومنها كتب عن مصر من أهمها نسخة أصلية لكتاب وصف مصر.

"ما أفعله ليس منة ولا عطاء، إنما هو رد للجميل" هكذا دائما يتحدث صاحب السمو حاكم الشارقة عن أي عمل يقوم به في مصر الغالية فهي الوطن والدرع والحصن والأمان.

 

الأعمال الثقافية

أما مآثر سموه في مصر لا حصر لها منذ أن صار حاكماً للشارقة ومعظم هذه المآثر والأعمال في مجال الأعمال الخيرية والإنسانية والأعمال الثقافية لأنه يرى في مصر منبع ومصدر الثقافة والفنون في العالم العربي. فنرى مبادرات سموه لإنشاء الجمعية التاريخية المصرية واتحاد المجامع اللغوية العربية واتحاد المؤرخين العرب واتحاد الأثريين المصريين واتحاد الأثريين العرب وترميم مبنى دار الكتب والوثائق القومية المصرية بالإضافة إلى عدد من المشروعات الثقافية الأخرى التي يراها كل محب لمصر ويصفها سموه بأنها قطرة في بحر عشقه للمحروسة.

أما في مجال المشروعات الخدمية والخيرية التي يرعاها صاحب السمو في مصر فهناك سجل شرف لهذه الأعمال لا ينتهي، فمنها العديد من المشروعات التي يرعاها سموه منذ سبعينيات القرن المنصرم لكن المشروعات الأبرز تلك التي دشنها بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013, وعندما احتاجت مصر له وجدته في الصفوف الأولى لمؤيديها ومسانديها فقام بعد ثورة الثلاثين من يونيو بتقديم دعم كبير لتشغيل عدد من المصانع المغلقة بالإضافة إلى تطوير 18 منطقة عشوائية في محافظة الجيزة، وإعادة بناء الدور الذي احترق في كلية الهندسة بجامعة القاهرة على أيدي الإرهابيين بعد فض اعتصام ميدان النهضة.

 

دعم غير محدود لجامعة القاهرة

أما جامعته ( جامعة القاهرة ) والتي يقول عنها: "بنيت جامعة القاهرة منذ البداية على أن تنور العقول بهمة أولئك الذين كافحوا لوضع حجر الأساس لهذا الصرح العلمي الكبير، وسارعوا في إيجاد العلوم النافعة، وما نقوم نحن به اليوم لا يقارن إطلاقا بجهدهم ولا يساويه". فجامعة القاهرة هي رمز التنوير والثقافة وشعلة الضياء التي تنير دروب مصر من وجهة نظر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حيث يناشد سموه قادة الجامعة وأساتذتها من أجل حمل لواء التنوير والضياء في مصر والوطن العربي.

قدم سموه أيضاً دعماً غير محدود لجامعة القاهرة التي يصفها دائما بأنها صاحبة الفضل عليه في تعليمه التنوير والثقافة بالإضافة إلى الزراعة.

وفي المقابل قام سموه بتدشين إحدى القاعات الكبرى في جامعة القاهرة وقامت الجامعة بإطلاق اسم سموه عليها تقديرا له بالإضافة إلى منحه قلادة الجامعة ودرع جامعة القاهرة للتميز العلمي والثقافي والفكري اعترافا بأفضاله ومآثره على الجامعة والعلم في مصر.

بالإضافة إلى ذلك، يرتبط صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بعلاقة خاصة مع التاريخ المصري بكافة مراحله فيرى في تاريخ وحضارة وتراث وآثار مصر نموذجا حيا لذخيرة لا تنضب من الفكر والثقافة والتنوير والعلم الذي ينظر له بعين الفخر دائما.

ففي أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو أعاد سموه لمصر 354 قطعة أثرية تم ضبطها ومصادرتها بجهود رجال الجمارك في مطار الشارقة الدولي، وهي مجموعة من القطع الأثرية بالغة الأهمية في قيمتها الأثرية والتاريخية تعود للفترة الفرعونية وبعض العصور الإسلامية في دليل على عمق اعتزازه وفخره بمصر وتاريخها وحضارتها.

السر دائما يكمن في الأوطان، فالوطن ما هو إلا حكاية عشق ممتدة في قلوب.