هل قلبت الصين الطاولة على سباق الذكاء الاصطناعي الأمريكي؟

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي
مقالات
02 فبراير 2025
Cover

إذا كان نموذج DeepSeek R1 الصيني خطةً لعرقلة الذكاء الاصطناعي الغربي.. فقد نجح بامتياز!

 

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي

 

 

شهدت الأسابيع الأخيرة إعلانًا ضخمًا من شركة OpenAI الأمريكية عن مشروعها الجديد Stargate، والذي يُعتبر استثمارًا غير مسبوق في مجال البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، بقيمة تصل إلى 500 مليار دولار، سيتم ضخ أول 100 مليار منها فورًا. المشروع يهدف إلى بناء مراكز حوسبة ضخمة لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، بدعم من شركات مثل مايكروسوفت، إنفيديا، أوركل، سوفت بنك، وآرم.

وبالتوازي مع هذا المشروع، أعلنت شركات أخرى استثمارات ضخمة في المجال نفسه؛ مايكروسوفت خصصت 30 مليار دولار، وغوغل أعلنت عن 80 مليار دولار، وميتا رفعت إنفاقها على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي إلى ما بين 60 و65 مليار دولار لعام 2025، بينما يسعى إيلون ماسك عبر XAI لبناء حوسبة عملاقة باستثمارات تصل إلى 6 مليارات دولار.

هذا السباق المحموم نحو الذكاء الاصطناعي يُترجم إلى رهانات مالية ضخمة تعكس رغبة الشركات الأمريكية في السيطرة على مستقبل الذكاء الاصطناعي، لا سيما مع وجود دعم سياسي واضح من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يسعى لجعل التفوق في هذا المجال جزءًا من استراتيجيته الوطنية.

رد الصين: إطلاق نموذج DeepSeek R1 لكسر الاحتكار الأمريكي

في خضم هذه الاستثمارات الهائلة، يبدو أن الصين اتخذت نهجًا مختلفًا لمواجهة الهيمنة الأمريكية المتزايدة على مجال الذكاء الاصطناعي. فبدلاً من ضخ المليارات في مراكز الحوسبة الفائقة كما تفعل الولايات المتحدة ، لجأت بكين إلى استراتيجية جديدة: إطلاق نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر، منخفضة التكلفة، وذات كفاءة عالية.

نموذج DeepSeek R1، الذي أطلقته الصين حديثًا، يُعدّ مثالًا صارخًا على هذا النهج. فبينما تنفق OpenAI مئات الملايين من الدولارات على تطوير أنظمتها، أنفقت الصين على تطوير هذا النموذج أقل من 5.6 مليون دولار فقط، ومع ذلك فقد تفوق على نموذج O1 من OpenAI في اختبارات الأداء. الأهم من ذلك، أن DeepSeek R1 متاح مجانًا، مما يسمح لأي شركة أو مطور باستخدامه، وتعديله، وبناء أنظمة ذكاء اصطناعي خاصة به، بتكلفة تشغيل أقل بنسبة 90% مقارنةً بنماذج OpenAI المنافسة.

هل هي استراتيجية لتعطيل الاستثمارات الأمريكية؟

لا يمكن فصل هذا التطور عن السياق الجيوسياسي الحالي، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات صارمة على تصدير أشباه الموصلات المتطورة إلى الصين، في محاولة للحد من تقدمها في الذكاء الاصطناعي. ولكن يبدو أن الصين استغلت هذا الضغط لصالحها، وأجبرت نفسها على البحث عن طرق أكثر ابتكارًا وكفاءة بعيدًا عن الاعتماد على الشرائح الأمريكية المتقدمة.

من خلال تقديم نماذج فعالة، مفتوحة المصدر، ومجانية، ربما تحاول الصين وضع حجر عثرة في عجلة الاستثمار الغربي، عبر تقويض النموذج الاقتصادي الذي تعتمده الشركات الأمريكية. فحين يرى المستثمرون أن نموذجًا بتكلفة زهيدة يمكن أن يُضاهي نماذج أخرى كلفت مليارات الدولارات، فقد يبدأ التشكيك في جدوى الإنفاق الضخم الذي تلتزم به الشركات الغربية، مما قد يؤدي إلى اضطراب في تدفق رؤوس الأموال داخل هذا القطاع.

رد الفعل في وادي السيليكون: صدمة ومخاوف

لقد كان رد الفعل في الأوساط التقنية الأمريكية أشبه بالذعر. فالشركات الكبرى مثل ميتا، التي كانت تعوّل على سيطرتها على سوق النماذج مفتوحة المصدر عبر سلسلة LLaMA، تجد نفسها الآن في مأزق بعد أن تفوقت نماذج DeepSeek على منتجاتها. بل إن بعض الشركات بدأت بالفعل بمحاولة تحليل وتكرار التقنية الصينية، بهدف استيعاب هذا التهديد المفاجئ.

أحد أكبر المخاوف التي أثارتها هذه التطورات هو تأثيرها المحتمل على شركات مثل إنفيديا، التي تعتمد في أعمالها على بيع الشرائح القوية اللازمة لتدريب وتشغيل النماذج العملاقة. فإذا تمكنت النماذج الأصغر حجمًا، مثل DeepSeek R1، من تحقيق نتائج مماثلة بتكلفة أقل وبمواصفات حوسبية أقل، فإن ذلك قد يعني انخفاض الطلب على الشرائح المتطورة، مما قد يوجه ضربة قاسية لاقتصاديات صناعة الرقائق المتقدمة.

الصين تثبت أن العقوبات لم تعرقلها بل ربما تساعدها

إطلاق DeepSeek R1 يحمل رسالة واضحة مفادها أن العقوبات الغربية لم تنجح في كبح تقدم الصين في الذكاء الاصطناعي، بل ربما دفعتها إلى تطوير طرق أكثر كفاءة وابتكارًا تتجاوز الحاجة إلى الاستثمار المكلف في مراكز البيانات الضخمة والشرائح الأمريكية المتطورة.

وإذا تمكنت الصين من توسيع نطاق هذه الاستراتيجية، فقد نرى قريبًا المزيد من النماذج منخفضة التكلفة وعالية الكفاءة تغزو السوق، مما قد يؤدي إلى تغيير جذري في ديناميكيات المنافسة بين الشرق والغرب في هذا المجال الحساس.

هل كان هذا انقلابًا في سوق الذكاء الاصطناعي؟

يبدو أن النموذج الاقتصادي التقليدي لتطوير الذكاء الاصطناعي، القائم على استثمارات ضخمة في الحوسبة الفائقة، قد يتعرض لهزة قوية بسبب المقاربة الصينية الجديدة. وبينما تسابق الشركات الأمريكية الزمن لتطوير ذكاء اصطناعي شامل (AGI) عبر ضخ مئات المليارات، تأتي الصين من زاوية أخرى، مستندة إلى الكفاءة والابتكار التقني بدلًا من الإنفاق الضخم.

إذا استمرت هذه الاستراتيجية في تحقيق نجاحات، فقد نكون أمام لحظة فاصلة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، حيث لا تكون السيطرة محكومة فقط بحجم الأموال المستثمرة، بل بكفاءة النماذج وجودتها. والسؤال الأهم الآن: هل ستتمكن الشركات الغربية من التكيف مع هذا التحدي، أم أن الصين وجدت بالفعل طريقة للالتفاف على العقوبات وتعطيل استثمارات الذكاء الاصطناعي في الغرب؟