رسوم ترامب الجديدة وتداعياتها على اقتصادات الخليج

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي
مقالات
03 أبريل 2025
Cover

 

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي

تأثيرات مباشرة محدودة، ومخاطر غير مباشرة متزايدة

 

في ذهني وأنا اكتب هذا المقال صورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يعلن عن فرض رسوم جمركية شاملة في الثاني من أبريل 2025، وهو يمسك بيده لوحة تبيّن نسب الرسوم على مختلف الدول. من ضمن هذه النسب التي فرضها على دول مجلس التعاون، وهذا ما سأتحدث عنه، ماهي التأثيرات السلبية المحتملة على دول مجلس التعاون؟ ولكن، قبل ذلك، مقدمة.

في 2 أبريل 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من البيت الأبيض عن فرض رسوم جمركية شاملة على جميع الواردات القادمة إلى الولايات المتحدة، بنسبة 10% كحد أدنى، مع رسوم أعلى تصل إلى 65% لبعض الدول مثل الصين. القرار شمل أكثر من 180 دولة، وكان بمثابة تحول جذري في السياسة الاقتصادية الأميركية، سمّاه دونالد ترامب "يوم التحرير" بينما أُطلق عليه في الإعلام اسم “جدار الحماية التجارية الجديد”.

ترامب اعتبر أن هذه الرسوم تمثل إعلاناً لـ ” الاستقلال الاقتصادي”، متهمًا الأنظمة التجارية العالمية بأنها أضرت بالاقتصاد الأميركي وأدت إلى فقدان الوظائف وانهيار الصناعات المحلية. وكان لافتًا أنه أشار إلى نموذج أواخر القرن التاسع عشر حينما كانت الولايات المتحدة تفرض رسومًا مرتفعة لحماية أسواقها الداخلية، وهو ما رأى أنه يجب أن يعود لحماية مستقبل الاقتصاد الأميركي.

هذا الإعلان أحدث هزة في الأسواق المالية العالمية، حيث تراجعت المؤشرات الأميركية بشكل حاد، وفقد مؤشر داو جونز أكثر من 1600 نقطة، وهو أكبر تراجع يومي منذ جائحة كوفيد-19 في مارس 2020. أما في آسيا، فقد تراجعت مؤشرات نيكاي الياباني وتوبيكس، كما انخفضت الأسواق الأسترالية والكورية. وامتدت التأثيرات إلى الأسواق الخليجية التي شهدت تراجعات جماعية نتيجة المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي وتأثيره على الطلب على النفط والسلع الأساسية.

دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، البحرين، عمان) تفاعلت بحذر مع القرار الأميركي، لا سيما أن واشنطن تعتبر شريكًا اقتصاديًا وأمنيًا استراتيجيًا للمنطقة. ورغم أن بعض الدول الخليجية لديها اتفاقيات تجارة حرة جزئية مع الولايات المتحدة (مثل البحرين وعمان)، إلا أن الرسوم الجديدة فُرضت عليها أيضًا بنسبة 10%، باعتبارها جزءًا من تطبيق السياسة على الجميع بلا استثناءات واسعة.

أولًا: التأثيرات المباشرة

من ناحية التأثير المباشر على التجارة، فإن الرسوم لن تكون مدمّرة على المدى القصير لدول الخليج. معظم الصادرات الخليجية لأميركا تتركز في قطاعي النفط والبتروكيماويات، وقد أُعلن عن استثناء منتجات الطاقة من الرسوم. كما أن حصة الخليج من إجمالي واردات أميركا تظل صغيرة نسبيًا، مما يجعل التأثير الفوري محدودًا. لكن بعض المنتجات مثل الألمنيوم من البحرين والإمارات قد تتأثر، ما يقلص تنافسيتها.

ثانيًا: التأثيرات غير المباشرة – الأهم والأخطر

أول هذه التأثيرات كان على أسعار النفط، حيث تراجعت الأسعار بنسبة 3% بعد خطاب ترامب. خام برنت هبط إلى حدود 73 دولارًا، وخام غرب تكساس إلى 66 دولارًا. هذا يعكس توقعات بتباطؤ عالمي، وهو أمر حساس للدول الخليجية التي تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات.

أما أسواق المال الخليجية، فقد تأثرت نفسيًا وماديًا بالتطورات. في السعودية، انخفض مؤشر السوق بنسبة 1.2%، وفي الإمارات تراجع سوق دبي المالي بنسبة 1.7%، وسوق أبو ظبي بنحو 0.8%. كذلك شملت التراجعات بورصات الكويت والبحرين وعمان.

ثالثًا: العملات والتضخم

نظرًا لارتباط معظم العملات الخليجية بالدولار الأميركي، فإن أي تحرك في السياسة النقدية الأميركية، مثل رفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم الناتج عن الرسوم، سينعكس مباشرة على الخليج. ذلك يعني ارتفاع كلفة الاقتراض، وضغوطًا محتملة على النمو الاقتصادي، مع احتمال استيراد التضخم من الخارج.

رابعًا: الاستثمار وخطط التنويع

الرسوم التجارية أثرت على المزاج الاستثماري عالميًا. قد تتراجع التدفقات الاستثمارية نحو مشاريع خليجية كبرى مثل نيوم في السعودية أو التوسعات الصناعية في أبو ظبي والدوحة. الشركات العالمية تميل إلى التريث في أوقات عدم اليقين، وقد تؤجل توسعاتها حتى تتضح ملامح الاقتصاد العالمي.

خامسًا: التجارة العابرة وإعادة التصدير

الخليج، خاصة الإمارات، يعتمد على التجارة العابرة والمناطق الحرة. في حال تباطؤ التجارة العالمية، ستتأثر حركة الموانئ واللوجستيات، ما قد يُضعف أحد المحركات الرئيسية للنمو غير النفطي.

سادسًا: الموازنات الخليجية

أي تراجع طويل الأمد في أسعار النفط سيضغط على الموازنات العامة لدول الخليج. الدول ذات الاحتياطيات الضخمة مثل الإمارات وقطر قد تتأقلم، لكن دولًا مثل البحرين أو عمان قد تواجه صعوبات في التمويل، وربما تلجأ إلى الدعم الخليجي مجددًا كما حدث في السابق.

فرص ممكنة وسط الأزمة

رغم كل هذه التحديات، قد تستفيد بعض دول الخليج من إعادة ترتيب سلاسل الإمداد العالمية. شركات أميركية تبحث عن بيئات بديلة للصين قد تجد في السعودية أو الإمارات وجهات آمنة ومستقرة. أيضًا، قد تسارع دول الخليج إلى توقيع اتفاقيات تجارة حرة جديدة مع شركاء في آسيا وأمريكا اللاتينية.

رسوم ترامب ليست موجهة مباشرة لدول الخليج، لكنها تؤثر عليها بطرق غير مباشرة عبر النفط، الأسواق، الاستثمار، وسلاسل التوريد.

 دول الخليج مدعوة لمواصلة سياسات التنويع، وإدارة الأزمة بحكمة، وتعزيز شراكاتها الإقليمية والعالمية لتقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية. في عالم متقلب، المرونة والجاهزية هما مفتاح البقاء والنمو