جيروم باول.. توازن دقيق بين خفض التضخم والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي
مقالات
23 أغسطس 2024
Cover

مقال - ميدار.نت.. بقلم: حسين القمزي - خبير اقتصادي إماراتي


في ظل المشهد الاقتصادي الحالي، الذي يشهد تغيرات كبيرة في الاقتصاد الأمريكي، يظل نهج الاحتياطي الفيدرالي تجاه أسعار الفائدة محورًا رئيسيًا للتكهنات والتخطيط الاستراتيجي. يتعرض الاقتصاد الأمريكي لتدقيق كبير وهو يمر بفترة من ارتفاع أسعار الفائدة، حيث يتراوح معدل الفائدة على الأموال الفيدرالية حاليًا بين 5.25% و5.5%، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من عقدين. هذا المعدل المرتفع، الذي جاء استجابة للارتفاع الكبير في التضخم الذي شهدناه في عام 2022 كان له تأثير واسع النطاق على مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك سوق العمل، الذي يُظهر علامات على التباطؤ.

خلال ندوة جاكسون هول يوم الجمعة، قدم رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول نبرة مطمئنة بشأن مسار الاقتصاد. أكد في تصريحاته على تفاؤل حذر، مشيرًا إلى التقدم المحرز في خفض التضخم دون أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في معدل البطالة، وهو توازن دقيق يشار إليه عادةً باسم "الهبوط السلس". يعكس هذا المصطلح هدف الاحتياطي الفيدرالي في خفض التضخم إلى مستوى يمكن التحكم فيه دون التسبب في ركود اقتصادي، وهو تحدٍ أقر به باول لكنه أعرب عن ثقته في التغلب عليه بناءً على المؤشرات الاقتصادية الأخيرة.

مستقبل تعديلات أسعار الفائدة

وتناول النقاش في جاكسون هول مستقبل تعديلات أسعار الفائدة. حيث  تشير محاضر الاجتماع الأخير للاحتياطي الفيدرالي، إلى جانب التصريحات الأخيرة من عدد من المسؤولين، إلى وجود إجماع واسع على بدء خفض أسعار الفائدة. ومع ذلك، من المتوقع أن يكون طريق خفض الفائدة تدريجيًا ومنهجيًا، حيث يفضل العديد من المسؤولين خفضًا تقليديًا بمقدار ربع نقطة مئوية. يعكس هذا النهج الحذر التزام الاحتياطي الفيدرالي بالاستجابة للظروف الاقتصادية مع تطورها، لا سيما في سوق العمل الذي يظل عاملًا حاسمًا في عملية صنع القرار.

على الرغم من هذه الإشارات الحذرة، لا يزال هناك استعداد للتحرك بشكل أكثر حدة إذا لزم الأمر. في حال حدوث تراجع غير متوقع في سوق العمل، أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى استعداده للنظر في تخفيضات أكبر في أسعار الفائدة، مع إمكانية الانتقال من تعديلات ربع نقطة إلى تخفيضات أكبر بنصف نقطة مئوية. هذه المرونة هي جانب أساسي من استراتيجية الاحتياطي الفيدرالي مع استمراره في مراقبة الاقتصاد عن كثب.

 

في الجوهر، أكدت تصريحات باول في جاكسون هول على التزام الاحتياطي الفيدرالي بنهج متوازن، يشدد على الحذر والاستعداد للتكيف حس الحاجة. يظل الهدف واضحًا: توجيه الاقتصاد نحو تضخم منخفض مع الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، وهو هدف صعب، ولكنه قابل للتحقيق، ويستمر في التطور مع كل تقرير اقتصادي. ستكون الأشهر القليلة المقبلة حاسمة في تحديد وتيرة وحجم تعديلات أسعار الفائدة، حيث يزن الاحتياطي الفيدرالي خياراته بعناية في بيئة اقتصادية معقدة ومتغيرة باستمرار.
نعم، تمكن جيروم باول وفريقه في الاحتياطي الفيدرالي من تحقيق تقدم ملحوظ في السيطرة على التضخم دون إدخال الاقتصاد الأمريكي أو العالمي في حالة من الركود الاقتصادي. على الرغم من المخاوف الكبيرة من أن رفع أسعار الفائدة بشكل حاد قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي كبير، تمكن الاحتياطي الفيدرالي من تقليص التضخم بشكل تدريجي من ذروته في عام 2022 إلى مستويات أقرب إلى النسبة المستهدفة المرجوة، وكل ذلك دون ارتفاع كبير في معدلات البطالة أو حدوث انكماش اقتصادي واسع النطاق.

 

هذا النجاح يعزى بشكل كبير إلى التوازن الذي اتبعه باول بين السياسات النقدية الحازمة والحذر في التحركات، مع مراعاة الظروف الاقتصادية المتغيرة بشكل مستمر. النتائج الإيجابية التي تحققت حتى الآن تمنح بعض الثقة بأن استراتيجية "الهبوط السلس" التي يسعى إليها الاحتياطي الفيدرالي قد تكون قابلة للتحقيق، مع الحفاظ على استقرار الاقتصاد الأمريكي والعالمي في الوقت نفسه.
&nb