أصبح للروبوتات دور متزايد الأهمية في العمليات البحرية، بدءاً من استكشاف المحيطات وصولاً إلى دعم قطاع الاستزراع المائي. ويواجه الاعتماد التقليدي على الروبوتات الفردية لتنفيذ مهام محددة يُواجه تحديات كبيرة تتعلَّق بالكفاءة والقدرة على التكيف مع البيئات البحرية المعقدة.
ويُشير الباحثون إلى ضرورة التحول نحو نموذج أكثر تكاملاً، مع تصاعد تعقيد العمليات البحرية، والحاجة إلى تقنيات أكثر تطوراً لإدارة البنية التحتية البحرية، واستكشاف أعماق المحيطات، إذ لم تعد الروبوتات الفردية كافية لمواجهة التحديات المتزايدة.
وقدطوَّر فريق بحثي في النرويج نهجاً مبتكراً يُعرف باسم «الأنظمة الروبوتية المستقلة التعاونية» (AROs)، وهي فرق من الروبوتات تعمل بتناغم عبر البحر والبر والجو.
وأوضح الباحثون أن التحول من الروبوتات الفردية إلى الأنظمة التعاونية قد يُحدث نقلة نوعية في العمليات البحرية؛ فبدلاً من عمل كل روبوت بشكل مستقل، ستتمكن هذه الروبوتات من التفاعل والتنسيق فيما بينها، تماماً كما تعمل الخلايا العصبية في جسم الإنسان عبر المشابك العصبية لنقل المعلومات بسرعة وكفاءة.
ويقول الدكتور كيتيل سكوجسيت، الباحث الرئيسي للدراسة في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، وشركة «إكوينور» للطاقة، إن الروبوتات التعاونية توفر قدرات تفوق بكثير ما يمكن للأنظمة الروبوتية التقليدية تقديمه.
ويضيف: هذه الروبوتات تُعزز الإمكانات التشغيلية، وتتمتع بالمرونة اللازمة للتكيف مع المهام المتغيرة ومتطلبات المهارات المختلفة. كما تُسهم في خفض التكاليف التشغيلية من خلال تقليل الاعتماد على السفن المأهولة، والحد من التدخل البشري المباشر، ما يُحسِّن فاعلية المهام عبر تقليل وقت الاستجابة وتحسين جودة الأداء، إلى جانب تعزيز قدرة الأنظمة على الصمود أمام التحديات البيئية والتشغيلية.
وأوضح أن منصات الاستشعار المتنوعة تُسهم في تحسين أداء هذه الروبوتات، من خلال تبادل المعلومات والتعاون فيما بينها. فبدلاً من أن يعمل كل روبوت بشكل منفصل، تتواصل الروبوتات مع بعضها، ما يسمح بتوزيع المهام بذكاء وفقاً للحاجة. وعلى سبيل المثال، في مهمة استكشاف بحرية، يمكن لأحد الروبوتات جمع بيانات درجة حرارة الماء، في حين يقوم آخر بفحص جودة المياه، وثالث بتحديد مواقع الشعاب المرجانية.
ويجعل هذا التعاون العمليات أكثر كفاءة ودقة، ويوفر اتصالاً مستمراً بين الروبوتات، ما يساعدها على اتخاذ قرارات سريعة، والتكيف مع التغيرات المفاجئة في البيئة البحرية.
وأشار سكوجسيت، إلى أنه يمكنها تحسين الاستزراع المائي من خلال مراقبة صحة الأسماك، وفحص وإصلاح أقفاص التربية، بالإضافة إلى رسم خرائط قاع البحر، ومراقبة جودة المياه، ما يوفر بيانات مهمة لدعم القرارات التشغيلية، مثل استراتيجيات التغذية والإجراءات الوقائية ضد ظواهر مثل ازدهار الطحالب الضارة.
تتيح هذه الروبوتات تنفيذ مهام طويلة الأمد، في استكشاف المحيطات، ما يُعزز دقة التغطية المكانية والزمانية لرسم الخرائط وجمع البيانات. ويُمكنها تقليل الجهد المطلوب عبر أنظمة مترابطة، ما يسمح بتنفيذ حملات استكشافية أكثر استهدافاً وكفاءة. فضلاً عن ذلك، ستُتيح إجراء دراسات شاملة على نطاق واسع بتكلفة أقل مقارنةً بالأنظمة التقليدية المعتمدة على السفن البحثية المأهولة.
وقد شهدت السنوات الأخيرة تقدماً ملحوظاً في تطوير الروبوتات المخصصة لاستكشاف المحيطات والبحار، حيث يعمل مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) على تطوير أسراب من روبوتات صغيرة تُدعى (SWIM) لاستكشاف المحيطات في العوالم الأخرى. ويبلغ طول كل روبوت نحو 12 سم، وهو مزود بأجهزة استشعار لقياس متغيرات مثل درجة الحرارة والضغط، ما يتيح استكشاف البيئات المائية على الكواكب الأخرى.
وأعلن باحثون من معهد المحيطات التابع لأكاديمية العلوم الروسية، في يونيو 2024، عن تصميم روبوتات جديدة مخصصة للاستكشافات تحت الماء. وصُمِّمت هذه الروبوتات للعمل بشكل مستقل لمدة تقارب 6 أشهر، وتتميز بقدرتها على التحرك عمودياً في الماء وقياس الخصائص الفيزيائية والكيميائية للبيئة المائية، ما يُسهم في دراسة البيئات البحرية بدقة أكبر.
وطوَّر باحثون من جامعة ستانفورد الأميركية، بالتعاون مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في السعودية، في يونيو 2022، روبوتاً يُدعى أوشن ون كيه (OceanOneK)، يتميز بقدرته على الغوص إلى أعماق تصل إلى 1000 متر. يُمكِّن هذا الروبوت العلماء من استكشاف البيئات البحرية العميقة والتفاعل معها بفضل نظام تحكم يوفر إحساساً باللمس، ما يسمح بمحاكاة ملمس الأجسام تحت الماء.