كيف دفعت الشراكة الاقتصادية بين الإمارات والعراق إلى ان يصبح العراق الشريك التجاريّ الاول للإمارات؟
تشكل الزيادة الأخيرة في التجارة بين الإمارات والعراق مثالاً قوياً على ما يمكن أن تحققه الدول العربية من خلال التعاون الاقتصادي الاستراتيجي. هذه الشراكة، التي شهدت زيادة بنسبة 41% في التجارة بين البلدين، تؤكد الإمكانيات الكبيرة لتحقيق الازدهار المشترك من خلال التعاون الإقليمي. وقد أصبحت العراق الآن الوجهة الأولى للصادرات الإماراتية، متفوقة على السعودية والهند اللتان كانتا تقليدياً الشريكان التجاريان الرئيسيان.
هناك عدة عوامل أسهمت في قصة النجاح هذه:
التزمت الإمارات باستثمارات ضخمة في العراق، حيث خصصت 3 مليارات دولار للمشاريع التجارية. تهدف هذه الاستثمارات إلى إحياء الاقتصاد العراقي وخلق أساس قوي لزيادة التجارة. وقد أدى هذا الدعم المالي إلى زيادة الطلب العراقي على السلع والخدمات، خصوصاً في قطاعات البناء والإلكترونيات والأغذية.
وصلت التجارة الخارجية غير النفطية للإمارات إلى ما يقرب من 1.4 تريليون درهم في النصف الأول من عام 2024، مسجلة نموًا بنسبة 11.2% عن العام السابق. كما ارتفعت الصادرات غير النفطية بنسبة 25% خلال هذه الفترة، مع لعب العراق دورًا حاسمًا في هذا النمو.
بالإضافة إلى ذلك، بلغ إجمالي إعادة التصدير للإمارات 345.1 مليار درهم في النصف الأول من عام 2024، بزيادة قدرها 2.7% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023. وقد أصبحت العراق وجهة رئيسية لهذه الصادرات، خاصة في مجالات مثل الهواتف، قطع غيار السيارات، والآلات، والكيماويات والذهب، وغيرها.
من جانبها، تواصل العراق تزويد الإمارات بالمواد الخام الحيوية. وقد ساعدت واردات الإمارات من العراق، خاصة في قطاعات الطاقة والزراعة، على تنويع قاعدة مواردها وتعزيز قدرتها الصناعية.
هذه الطفرة في العلاقات التجارية، أصبحت العراق تحتل الآن المركز الأول بين الشركاء التجاريين للإمارات من حيث الصادرات، متجاوزة دولاً مثل السعودية والهند. بالإضافة إلى ذلك، تحتل العراق مكانة مرموقة ضمن قائمة الشركاء الخمسة الأوائل للإمارات في التجارة غير النفطية، مما يؤكد أهمية هذا التعاون الاستراتيجي والتجاري ويجعل العراق اهم شريك تجاري للدولة.
إلى جانب ذلك، وقّعت الإمارات والعراق العديد من الاتفاقيات لتعزيز التعاون في مجالات البنية التحتية وتطوير الموانئ، مثل الاتفاقية لتطوير ميناء الفاو الكبير في العراق. هذه الاتفاقيات تعزز من الروابط التجارية وتجعل العمليات أكثر سلاسة بين البلدين.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن تحرير التجارة بين الإمارات والعراق، وتسهيل الإجراءات الجمركية، كان له دور كبير في تعزيز مركز العراق كشريك تجاري رئيسي للإمارات. في المقابل، يمكن أن تكون السياسات الجمركية التي شهدت تشدداً في المنطقة قد أثرت على تدفق التجارة، مما جعل الشركات تبحث عن وجهات أكثر مرونة وسهولة في التعامل. هذه العوامل ساعدت العراق على الارتقاء في سلم الشراكة التجارية مع الإمارات، ليصبح أهم الشركاء التجاريين في المنطقة.
تشكل الشراكة بين الإمارات والعراق دليلاً على الفوائد التي يمكن أن تحققها الدول العربية من خلال الاستثمار في اقتصادات بعضها البعض وبناء شبكات تجارية قوية. لا تعزز هذه العلاقة اقتصادات كلا البلدين فحسب، بل تقدم أيضاً نموذجاً إيجابياً للتعاون الإقليمي. وفي وقت تباطأ فيه نمو التجارة العالمية، تظهر الإمارات والعراق أن التعاون الإقليمي يمكن أن يؤدي إلى تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة.
مع استمرار الدول العربية في البحث عن طرق جديدة للنمو والتطوير، تعد الشراكة الاقتصادية بين الإمارات والعراق نموذجاً لما يمكن تحقيقه عندما تتعاون الدول معًا.
الاقتصاد الحديث المفتوح والحر بين الدول، والذي يزيل القيود الجمركية ويشجع على التدفق الحر للسلع والخدمات، يفيد جميع الأطراف المشاركة. هذا النوع من الاقتصاد يعتمد على مبادئ التعاون والشراكة التي تعود بالنفع على كلا الجانبين، بدلاً من اتباع نظرية "ميزان الصادرات القديم" التي كانت ترى التجارة كمعادلة صفرية، حيث يكون هناك رابح وخاسر فقط.
في الواقع، الشراكات الاقتصادية الحديثة مثل تلك التي بين الإمارات والعراق تُظهر أن تحرير التجارة وتسهيل الإجراءات الجمركية يمكن أن يؤدي إلى نمو اقتصادي مستدام وتطوير البنية التحتية، مما يعزز من قدرة كلا الطرفين على الاستفادة من الفرص المتاحة بشكل متبادل. هذا النوع من التعاون يسهم في تحقيق ازدهار اقتصادي مشترك بدلاً من التركيز على تحقيق مكاسب فردية على حساب الآخر.
من خلال التركيز على المصالح المشتركة والتعاون طويل الأمد، يمكن للعالم العربي أن يفتح آفاقاً جديدة للاستقرار والازدهار الاقتصادي. هذه الشراكة تمثل مثالاً ساطعًا على كيف يمكن للتعاون الإقليمي أن يؤدي إلى نجاح مشترك، وتقدم دروساً قيمة للدول الأخرى في المنطقة.